الحقيقة الوهمية

الحقيقة الوهمية تحدث عندما يستمع عقلك إلى معلومة ما مرة بعد مرة بعد مرة … ومع التكرار يعتقد هو أنها حقيقة فيعاملها على أنها حقيقة ثم تعاملها أنت على أنها حقيقة … وإن لم تكن كذلك ! .

ومعظم عقول الناس مليئة بهذه الحقائق الوهمية .

خطر الحقائق الوهمية

تخيل معي أنك تريد السفر لمكان ما .
تخيل معي أن هذا المكان ليس المكان الذي تريد فعلاً السفر إليه . أنت تريد السفر إلى مكان س بينما المعلومات المغلوطة لديك ستأخذك إلى مكان ص وأنت تظنه س .

هذا مايحدث مع الحقائق الوهمية .
بوصلتك خاطئة .
تصوراتك خاطئة .
رؤاك للمواضيع والأحداث خاطئة .
تشخيصك خاطئ ..وبالتالي وصفاتك لنفسك وللآخرين خاطئة .

في ظلمات يعمهون .
سراب يحسبه الظمآن ماء .

خطأ في التصور يؤدي حتماً إلى خطاً في القرار والتصرفات .

خطيرة جداً . إنما ككل شئ آخر له حل .

ولنبدأ بالتعرف على مربط الفرس هنا ، العامل الأهم ، والآلة الأعظم : عقلك !

العقل أعظم آلة على الإطلاق ، أعظم صديق وأخطر عدو !

عقلك ، وتحديداً عقلك اللاواعي ، لايميز بين الحقيقة والخيال ، ليست لديه قيم ، لايعرف الصح من الخطأ ، النافع من الضار ، لكنه في الوقت نفسه هائل القوة ، هو أشبه مايكون بالخادم المطيع هائل القوة والقدرة .

وطريقة عمله هي التالي : يقوم بمراقبة مايدور في عقلك الواعي . ويعمل على تنفيذه . أيا كان مايدور في عقلك ! . فإن كان خيراً فخير وإن كان شراً فشر .

مايدخل ويدور في عقلك يصبح حقائقك

فإذن العامل الخطير هنا …هو مايدخل ويدور في عقلك ! . لأن مايدخل ويدور في عقلك . يصبح حقيقة عندك سواء كان حقيقياً أم لا …وهنا الخطر ….والأخطر من كل هذا هو أن كل ذلك يحدث دون أدنى وعي منك . فأنت تتلقى المعلومات من موارد التلقي عندك ، وتدور تلك المعلومات في عقلك ، ويعاد تدويرها من خلال نفس الموارد أو من خلال تفكيرك فيها أنت ، حتى تصبح حقيقة ….وتدخل حياتك كإحدى المسلمات غير القابلة للنقاش عندك …فتصنع توجهاتك وتصوراتك وقراراتك بناء على هذه الحقيقة ….التي قد تكون وهمية خاطئة وقد تؤدي لاقدر إلى الله إلى مصير كارثي في حياتك مليئ بالإخفاقات أو الآلام أو الخسارات .

من أين تدخل هذه المعلومات | ماهي موارد التلقي عندك التي تملأ عقلك

فإذن يكون عامل الخطر هنا ، عنق الزجاجة الحرج لدينا هنا في هذه الفكرة هو : من أين تدخل هذه المعلومات ؟
تدخل من طريقين :

  • من خارجك : من موارد التلقي المحيطة بك  .
  • من داخلك  :  حديثك الداخلي .. تفكيرك .. وماذا أيضاً : من العدو الأكبر لك : الشيطان .

موارد التلقي الخارجية لديك :

هناك مايسمى بالبيئة المقترحة Suggestive Environment وهي كل مايرد إليك من معلومات من محيطك ، من خارج عقلك ، وأهمها على الإطلاق :

  • محيطك البشري : عائلتك ، زملاؤك ، أصدقاؤك ، أكثر ناس تقضي وقتك معهم !. وهذا أخطرها على الإطلاق .
  • مواردك المعلوماتية .

محيطك البشري

الأخطر على الإطلاق .

المرء على دين خليله .

وقد قال الشاعر وصدق :

إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم * ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه * فكل قرين بالمقارن يقتدي

الإنسان كائن مستأنس ببني الإنسان من جنسه . هذه طبيعة بشرية . وهو في الوقت نفسه سريع التماهي والتجانس معهم ، فالإنسان يتمازج مع صديقه ويتجانس وأيهما أقوى تأثيراً تكون له الغلبة في التأثير وإن كان التأثير متبادلاً . ويكون كل ذلك بلا وعي  ..وبمرور الوقت يتغير الإنسان ليكون صديقه إن خيراً فخير وإن شراً فشر . وقد قيل : الإنسان حاصل قسمة أكثر 5 أشخاص يقضي معهم وقته . بودي لو استطعت عزيزي القارئ / عزيزتي القارئة .. لو كتبت هذه العبارة السابقة وجعلتها أمامك دوماً . لأنها إحدى الحقائق التي لن تتستطيع الفرار منها .

مواردك المعلوماتية ، كل ماتقرؤه ، وتشاهده ، وتسمعه

لاحظ معي كلمة : كل .
كل ماتمر عليه عيناك أو تسمعه أذناك ..يؤثر في وعيك وفي لاوعيك سواء شعرت بذلك أم لا .. وفي الحقيقة سيكون بلا وعي منك لأن الشعور لن يكون فورياً ، بل سيكون الإدراك ، إن تم هذا الإدراك أصلاً ، سيكون مع النتائج التي ستراها في نفسك وفي حياتك بعد فترة من استقرار هذه الحقائق الوهمية ومن عملك بها ! .

في عالم اليوم ، أصبح مايسمى بمدى الإنتباه Attention Span لايتجاوز الثانيتين ، أصبح إنتباه الإنسان يقترب من انتباه الذبابة ، لذا أصبح معظم الناس اليوم يعانون من ضعف الذاكرة والتشتت وعدم التركيز .
وزاد من سوء ذلك هذا الحمل المفرط الهائل من المعلومات التي يتلقاها العقل . من وسائل الإتصال والمعلوماتية الحديثة : الجوال ، الكمبيوتر ، الإنترنت ، الإعلانات ، الإعلام ، الأخبار ، برامج التواصل ، مواقع التواصل الإجتماعي وهلم جرا .

هذا الحمل الزائد الهائل من المعلومات ، يبرمجك ، وفي الغالب تحت مستوى وعيك .
كي تكون في الصورة : عندما تندمج مع فيلم ما أو مع كتاب …فأنت تدخل في حالة من التنويم المغناطيسي تسمى ترانس Trance .. هذه الحالة تقوم بإرخاء عقلك الواعي ، وهو العقل الذي يقوم بدور المراقب لما تتلقاه ، هو حارس بوابة عقلك مما يسوءك ، هو العقل الذي لديه قيم ويعرف الصح من الخطأ …فيتم إرخاؤه في هذه الحالة ويغيب دوره المحوري الخطير …ويتلقى لاوعيك …كل الصور التي تراها في الفيلم أو المقطع .. أو التي تتخيلها من خلال قراءتك … وكذلك ، وهنا السم الزعاف ….كل المثل أو المبادئ أو التصورات والسلوكيات التي تكون فيما تشاهد ….فإن كانت هذه السلوكيات سيئة فإنها تمر فوراً إلى لاوعيك وتتثبت هناك وبمرور الوقت والتكرار والمشاهدة ….تتولد من هناك على شكل سلوكيات في حياتك ..وهنا تكتمل الدائرة .. وهنا تصبح شخصاً آخر غير الذي كنت .. وتتبدل هويتك ! لتكون ما أصبحت تفعله .

موارد التلقي الداخلية لديك :

أنت . تفكيرك . حديثك الداخلي

س : من هو أكثر شخص تصدقه ؟ الجواب هو : أنت .
هذه هي الحقيقة الطبيعية الأولى . أنك لاتشك فيك . أنت تاخذ نفسك على سبيل المسلمات طبعاً .

فيكون السؤال الخطير هنا : ماذا لو كان ماتظنه أنت لست أنت ؟ فالحديث الداخلي وكذلك معظم أنماط تفكير الإنسان العادي غير المدرب هي مجرد إنعكاسات لبيئته وموارد التلقي الخارجية لديه ومعظمها يميل للسلبية . فأنت في الحقيقة ، ودائماً ، أكبر وأفضل من من حديثك الداخلي وكذلك من الأفكار التي تدور في عقلك ، لأنك تستطيع باستمرار أن ترقيها وترفع من مستوى جودتها .

حديثك الداخلي

أولاً هناك ميل طبيعي للعقل إلى السلبية ، هذا جزء من تكوينه الأولي وهي حالة تسمى قاتل أو اهرب Fight or Flight ، من أجل إعداد الإنسان لمخاطر الحياة والبيئة ، فالسلبي ، كالأخبار والمقاطع والأحداث السلبية مثلاً تلفت الإنسان ذا العقل غير المدرب أكثر وأسرع من الأخبار والمقاطع والأحداث الإيجابية .

الإنسان يتحدث مع نفسه في اليوم والليلة إلى مايقرب من 50000 كلمة . فماذا لو كان معظمها سلبياً ؟ والأكيد أن معظمها سيكون سلبياً مالم تكون تعرف كيف تفكر بإيجابية .
وهذا من أكبر مصادر الحقائق الوهمية لديك ، ناهيك عن أنه من أكبر مصادر الألم غير المبرر أو المنطقي المختلق بسبب عدم معرفة الإنسان كيف يدير أفكاره بإيجابية . !

الحقيقة الأخرى التي قد تكون غائبة عنك ، هي أن معظم مايدور في عقلك ليس تفكيراً جديداً بل هو اجترار لما فكرت في بالأمس وقبل أمس وقبل ذلك ، وأيضاً يكون تدويراً لما استهلكته من معلومات من مصادر التلقي الخارجية لديك .

ومجرد تكرار هذه الأفكار في عقلك يحولها إلى حقائق وهمية .

العدو الأكبر المتخفي : الشيطان

قال الله تعالى : ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً ) . هذا إخبار  . وأمر . عملي .
سؤالي المباشر لك : كم مرة خطرت على بالك تلك العداوة ؟ كم مرة عندما تفكر في أمر هام لديك ؟ عندما تخطط ؟ عندما تقرر ؟ تضع في اعتبارك أن هناك عدو لك إسمه الشيطان يراك هو وقبيله من حيث لاتراهم ، وتضع عداوته وحزبه ضمن استراتيجيتك ؟ أغلب ظني أنها نادرة ! .

في المثل الإنقليزي ، والذي فاجأني وأسعدني كثيراً ، يقول : أكبر خدعة قد تتم على وجه الأرض أن يقنعك الشيطان أنه غير موجود ! .

وهذا هو أحد أقوى أسلحته على الإنسان : النسيان . فيعمل الشيطان باستمرار ودون كلل أو ملل على عدة أمور تخص النسيان : مثلا : أن ينسيه هذه العداوة أصلاً . وأن ينسيه ذكر الله كي يستحوذ عليه . بل وأن ينسيه كل خير من خيرات الدنيا والآخرة يمكن للإنسان ، خاصة المؤمن ، أن يحققه ويحصل عليه .
عداوة هذا المخلوق للإنسان أزلية وأبدية حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، ودوره متعدد الدرجات إبتداء من استدراج الإنسان كي يكفر بالخالق أو يشرك به ، وحتى إلى أبسط مايمكنه عمله للمؤمن إن لم يستطع إستمالته إلى الكفر أو الشرك أو المعاصي الكبرى ، فيعمل على إثارة حزنه ، يعمل على تحزين المؤمن . قال تعالى : ليحزن الذين آمنوا . يعمل على إثارة أحزانهم ! .. ماهذه العداوة ..وكيف لايتخذ مثل هذا الكائن عدواً ؟ أعوذ بالله منه .

(إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين )
(إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلاً )
( إن كيد الشيطان كان ضعيفاً )
( إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون )

الحلول :

1. أعد قراءة هذا المقال مرة أخرى .. في وقت آخر .

2. تحكم بموارد التلقي الخارجية لديك .

  • لاتشاهد ولاتسمع ولاتقرأ إلا ماتريد أن تكونه ، لأنك ستكون ماتشاهد وتسمع وتقرأ .
  • لاتشاهد ولا تسمع ولا تقرأ إلا مايتوافق مع قيمك أو القيم التي تريد أن تكون في حياتك .

3. حلّل علاقاتك .

  • قد تجد أحياناً أن هناك علاقة أو أكثر لاتتوافق أبداً مع ما تؤمن به أو ماتريد أن تكونه أو تحققه في هذه الحياة . ستجد علاقات أقل مايقال عنها هدامة لقيمك أو شخصيتك أو أحلامك .
  • إعمل على صناعة علاقات تتوافق معك ، مع قيمك وشخصيتك وأحلامك في هذه الحياة ..وإن لم تجدها في واقعك فلديك الواقع الإفتراضي : تابع الشخصيات التي تود لو كانت في محيط علاقاتك الواقعية . واقرأ السير الذاتية للعظماء الذين تتوافق معهم في الرؤى والشخصية والأفكار .
  • تجنب السوداويين .. التشاؤميين .. المتلذيين بالألم .. النكديين .. إلى آخر قائمة الهم .. سواء من أشخاص أو أفلام ومسلسلات .. ( وهذه تقنن فيها الخليجيون تحديدا ) أوأغاني الهم والغم والحزن  عافانا الله وجميع المسلمين من الهم والغم والحزن .

 4.إبدأ في اقتطاع وقت من يومك لك أنت . لعقلك لروحك لقلبك لجسدك .

  • إبدأ بممارسة الرياضة وإن كانت خفيفة جداً كالمشي .
  • إبدأ بالكتابة . كتابة أفكارك أو يومياتك تنظر خلالها ، في داخلك ، عقلك قلبك أفكارك أحلامك . تبدأ فيها بملاحظة ذاتك .
  • إبدأ بممارسة التأمل ولو لخمس دقائق في اليوم .

 5. تحكم في حياتك الداخلية .

  •  أن نرفع مستوى إدراكنا به ووعينا بهذا الصوت .. إعمل على الإستماع له .. ركز عليه .. ارفع صوته .. ( ومرة أخرى .. إن لم يكن القارئ الكريم قد لاحظ هذا الصوت قبلا .. فسيسمع عجبا .. ) .. وبهذه الخطوة وحدها .. خطوة الوعي والإدراك وملاحظة مايدور في عقولنا من أفكار وأصوات .. سلبي وإيجابي .. يخفت هذا الصوت .. ويفقد الكثير الكثير من قوته وتأثيره .. فقوته كانت في العمل على التاثير تحت مستوى الإدراك ..
  • أن نحيط أنفسنا بمؤثرات إيجابية .. من أصدقاء وكتب وتصفح على النت  …..
  • أن نكثر من الإبتسامة .. والضحك .. ونعم لابأس أن كان بلا سبب فالإبتسامة في حد ذاتها أفضل سبب .
  • أن نقرأ توكيدات شخصية إيجابية يوميا .. وحبذا لو كانت عند الإستيقاظ من النوم .. وقبله .. وهي عبارة عن مجموعة من الكلمات والجمل الإيجابية والتي نعمل بها على تلقيح عقولنا بمؤثرات إيجابية ..
  • دوما .. وهذه من أهم الأدوات هنا .. دوما .. واجه ذلك الصوت فور ملاحظتك له .. ولاتستمع إليه .. أو تناقشه .. فورا أبدله بالحديث الإيجابي .. وفكرة إحلال الأفكار السلبية بالإيجابية يجب أن تكون جزءا من طريقة كل إنسان يريد أن يدير عقله .. أثمن موارده .. بإيجابية ..
  • وأخيرا .. وليس آخرا بالطبع .. قراءة القرآن الكريم  وقراءة الأذكار ( الصباح والمساء والخروج والدخول .. والتي تشتمل كما هو معلوم على أذكار تمنع حدوث الهم والغم بإئن الله وفضله .. )  وكثرة الذكر عموما .. ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) ..

6. في معركة الإنتصار على عدوك الأكبر :

  • أولاً تذكر عدواته ولايخدعنك أو ينسينك تلك العداوة : (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً ) وتذكر المثل الإنقليزي : أكبر خدعة قد تتم على وجه الأرض أن يقنعك الشيطان أنه غير موجود !
  • طور ملاحظتك للصوت الذي تسمعه داخلك ، وأنت هنا وفي نفس الوقت تطور ملكة مهمة جداً جداً هي ملكة الوعي بالذات وهي إحدى أهم مايفرق الإنسان عن الحيوان وبمرور الوقت وباستمرار الملاحظة أنت تطور فعلاً مستوى تفكيرك . بمجرد هذه الملاحظة .
  • اطرده بالذكر ، بقراءة القرآن ، بأن تكون نظيفاً متوضأ طاهراً معظم أوقات يومك . وأكثر من لا إله إلا الله .. وأكثر من لاحول ولاقوة إلا بالله .
  • في كل مرة تدرك فيها أن هذا صوت الشيطان كرر الذكر فوراً : لا إله إلا الله وأستغفر الله .
  • خالف اقتراحاته .
  • قاوم هواك ، رغباتك ، شهواتك ، وطور بمرور الوقت انضباطك الذاتي ، بالمجاهدة ، مجاهدة النفس والهوى . وتذكر أن هوى النفس وشهواتها غير الحلال هي مطية الشيطان ، نعوذ بالله من الشيطان .
  • قلل من الأكل والنوم والخلطة خاصة غير المفيدة مع الآخرين . هذا لايعني بالطبع ألا تأكل أو تنام أو تقضي وقتاً مع الآخرين فهي جميعها ضرورية لكن يعني القصد أو التوسط .

 

لاتتوقف .. لاتستسلم .. لاتعجز . وطبّق . لاتكن من أولئك الذين يمرون بالدرر ولايستطيعون تمييزها لأنها عقولهم وأعينهم غير مدربة عليها . طبق ..وابدأ بالأيسر عليك .

كل التوفيق لك .

error:

Pin It on Pinterest

Share This